النهار
بقلم - إيمان القرشي
تستيقظ قبل الفجر، لا لتحتسي قهوتها على مهل، بل لتتهيأ ليومٍ جديد من الركض بين العمل والأمومة.
تلبس ثوب الجدّ، وتخفي خلف ابتسامتها قلقًا صغيرًا يسكن صدرها منذ أن تركت طفلتيها مع الخادمة.
تغادر البيت وفي قلبها صوتٌ خافت يقول:
“هل اشتاقت لي الصغيرة؟ هل نامت الكبرى في حضن غيري؟”
تمضي ساعات النهار بين ملفات وأوراق، لكن عقلها عالق هناك — عند ضحكةٍ لم تسمعها، ودمعةٍ لم تمسحها.
وحين تعود، لا تعود بيدين فارغتين، بل بحنانٍ يغمر المكان، وبشوقٍ يفيض من عينيها.
تضمّهما كأنها تحاول أن تختصر في دقائق ما فاتها من ساعات،
وتحدثهما كأنها تزرع في كل كلمة عذرًا وحبًا ووعدًا:
“أنا هنا، وإن غبتُ عنكما قليلًا، فكل ما أفعله هو من أجلكما.”
وفي الليل، حين ينام الجميع، تبقى ساهرة.
تتأمل وجهيهما الصغيرين وتبتسم رغم التعب، ثم تغفو على وسادتها خمس ساعات من راحةٍ مكسورة،
لكنها كافية لتُعيد بناء قلبٍ أرهقه الشوق، وأمٍ لا تزال تقاتل لتكون كُلّ شيءٍ لابنتيها.
ليست مقصّرة… بل هي أمّ تحب حتى حدّ الإرهاق،
وتمنح الحياة كل ما تملك لتصنع لطفلتيها غدًا أكثر أمانًا،
حتى وإن سرقت منها الأيام بعض اللحظات، فهي تؤمن أن الحنان الصادق لا يُقاس بالوقت، بل بالنبض.