النهار
بقلم - حمد حسن التميمي
حين نتأمل التاريخ، ندرك أن كثيرًا من العظماء لم يكونوا أبناء القوالب الجاهزة، بل كانوا مختلفين. ومن أبرز هؤلاء غاليليو غاليلي، الرجل الذي عاش في القرن السابع عشر، ورفض أن يكتفي بما كان شائعًا من أفكار حول الكون. بينما كان الاعتقاد السائد أن الأرض ثابتة في مركز الكون، تجرأ غاليليو على أن يعلن أن الأرض تدور حول الشمس. لم يكن هذا مجرد اختلاف في الرأي، بل ثورة فكرية هزت أسس المعرفة في عصره.
واجه غاليليو محاكم التفتيش، وتعرض للرفض والاتهام، بل وأُجبر على التراجع العلني عن بعض أفكاره. ومع ذلك، ظل مؤمنًا أن الحقيقة لا تحتاج إلى تصفيق كي تكون حقيقة. واليوم، وبعد قرون، يُذكر اسمه كأحد أعظم العلماء الذين غيروا مسار التاريخ، وأصبح رمزًا للشجاعة الفكرية والجرأة على الاختلاف.
قصة غاليليو تذكرنا أن الاختلاف ليس ضعفًا، بل قد يكون أعظم أشكال القوة. ولكي نحول اختلافنا إلى مصدر إبداع في حياتنا اليومية، هناك خطوات عملية تساعدنا على الثبات. امنح نفسك وقتًا يوميًا للهدوء والتأمل، حتى لو كان بضع دقائق بعيدًا عن الضجيج. دون أفكارك ومشاعرك لتتعرف أكثر على ذاتك وتفهم ما يميزك. لا تسمح للآخرين أن يحددوا قيمتك أو يفرضوا عليك مسارًا لا يشبهك، فالتقدير الحقيقي يبدأ من الداخل. اختر صحبة صادقة تُضيف إلى حياتك بدل أن تستنزف طاقتك، ولا تخجل من طلب الدعم حين تحتاجه. والأهم أن تتذكر أن الاختلاف ليس عيبًا، بل بصمة خاصة لا يملكها سواك، وكلما احتضنته بوعي، ازددت قوة وثباتًا.
وإذا نظرنا إلى المستقبل، سنجد أن العالم يتجه أكثر فأكثر نحو تقدير التنوع. ربما سيأتي زمن يصبح فيه المختلفون هم القادة الحقيقيون، لأنهم يملكون الجرأة على التفكير خارج المألوف. قد يُقاس النجاح غدًا بقدرتك على أن تكون أصيلًا، لا بمدى قدرتك على التشابه. في عالم يزداد تعقيدًا، سيكون المختلفون هم من يفتحون الأبواب المغلقة ويبتكرون الحلول التي لم تخطر على بال أحد.
ولعل أجمل ما نتعلمه من غاليليو أن الاختلاف يحتاج إلى صبر طويل، وإيمان عميق بأن ما تراه بعينيك وتفهمه بعقلك يستحق أن تدافع عنه، حتى لو وقفت وحيدًا. فالقيمة الحقيقية ليست في أن يوافقك الجميع، بل في أن تظل وفيًّا لقناعاتك بالحق. قد لا يصفق لك العالم اليوم، لكن التاريخ سينحني احترامًا لكل من تجرأ على أن يكون مختلفًا.